[url]نظريات - تنقل الانسان بين الكواكب والنجوم - عدنان المبارك
ليست بالجديدة فكرة ان الحياة مصدرها كوكب آخر. فالكثيرون من العلماء والمفكرين وغيرهم توقفوا، عبر القرون، أمام اللغز الأكبر: ما هي الحياة وكيف نشأت ومن أين جاءت، وغيرها من الاسئلة التي كانت أجوبتها بين الحقيقة والخيال. وفي النصف الثاني من هذا القرن يعد أريخ فون دينيكين المؤلف السويسري المعروف أبرز باحث (هاو) يؤمن بفكرة ان الحياة جيء بها من كوكب آخر وعلي متن سفينة فضاء وصلت الأرض في أزمنة سحيقة في القدم.
ومن الطبيعي ان تلقي أفكار دينيكين ردود فعل عنيفة من جانب عدد كبير من العلماء (وليس العلماء فقط) الذين يعاملون، عادة، (غير العلماء) كفئة متطفلة ناسين، او متناسين، ان الكثير من الاكتشافات الباهرة قام بها هؤلاء (الهواة). من ناحية أخري نلقي فئة كبيرة من العلماء الذين يرتبط عملهم وليس بمبدأ التجربة فحسب، بل بآخر هو الخيال والفنطازيا لكن المعقلنة ان صح القول.
مثلا في عام 1879 اخترع توماس ألفا أديسون المصباح الكهربائي. ومنذ ذلك بدأت تهبط أسهم مصانع انتاج الغاز. وفي مجلس العموم البريطاني شكلت لجنة كانت مهمتها بحث قضية استخدام هذا النوع الجديد من الاضاءة. وتوصلت اللجنة الي نتيجة مفادها ان ايصال الضوء الكهربائي الي جميع البيوت هو محض خيال! وكان يشغل بال ليونادو دافنشي حلم البشرية القديم ــ التحليق في الهواء. وخلال عقود طويلة درس ووضع مشاريع كثيرة لمكائن طائرة تذكرنا، لحد لا يصدق، بالنماذج الأولي للطائرات السمتية المعاصرة! وخوفا من ملاحقة محاكم التفتيش أخفي دافنشي مخططاته. وفي عام 1797 نشرت المخططات للمرة الأولي. وكان رد الفعل: الماكنة أثقل من الهواء، ومن باب المستحيل ان تقلع عن الأرض! ومثل ردود الفعل هذه سادت حتي مطلع هذا القرن. ويكفي ان نذكر ما قاله، حينها، الفلكي المعروف سيمون نيوكومب: انه لأمر بالغ الصعوبة تصور تلك القوة التي تعمل علي ان تقهر المكائن الطائرة الجو لمسافات بعيدة. وبعدها ببضعة عقود حملت الطائرات شحنات في غاية الثقل، عبر البحار والمحيطات.
وكما يذكر دينيكين في كتابه المعروف العودة الي النجوم فان مجلة (الطبيعة Nature) العلمية علقت في عام 1924 علي كتاب البروفيسور هرمان أوبيرت الصاروخ عابر الكواكب بالقول: ان خطط مثل هذا الصاروخ الفضائي سوف لن تتحقق الا في نهاية عمر البشرية.. وفي الأربعينيات حين انطلقت الصواريخ لمسافة قدرها بضع مئات الكيلومترات استبعد علماء الطب أي امكانية لقيام الانسان بتحليقات كونية ولأن جسمه غير قادر علي تحمل حالة انعدام الجاذبية لأمد طويل.
اذن هذه الأمثلة وغيرها توميء، برأي الباحث السويسري، الي واقع مؤلم: ضعف مخيلة رجال العلم! وما يهم دينيكين بالدرجة الأولي موقف العلماء السلبي من فكرته التي يدعو لها ويفتش بمثابرة عجيبة عن براهين عليها منذ عقود، وهي قدوم مخلوقات عاقلة من كواكب أخري الي الأرض.
وفي الحقيقة وجد بين العلماء من يصغي اليه بل ويقف الي جانبه. مثلا يقول دينيكين ان العالم الامريكي تشارلز ميغور أخبره بأن ألبرت اينشتاين اعترف له مرة بأنه يميل الي التصديق بالرأي القائل ان الأرض زارتها مخلوقات عاقلة في عصور ما قبل التاريخ. كذلك يقول عالم الفيزياء الفلكية الروسي البارز يوسف شكلوفسكي انه علي اقتناع تام بأن هذه المخلوقات جاءت الي الأرض وعلي الأقل مرة واحدة. كذلك يكتب عالم البيولوجيا الفلكية الامريكي كارل ساغان عن الشيء نفسه. كما ان البروفيسور هرمانن أوبريت المسمي بـ(أبي الصاروخ) قال لدينيكين: ان زيارة جنس آخر لكوكبنا اعتبره أمرا محتملا للغاية.
ومعلوم انه كان محض جنون الكلام قبل عقود قائل فقط، عن وجود كائنات عاقلة أخري في الكون. أما اليوم فلا أحد يشكك في أن الحياة موجودة في مكان آخر ايضا. وفي سنة 1961 جرت جلسة سرية في ولاية فرجينيا شارك فيها أحد عشر من أبرز العلماء في العالم. وقد اتفقوا علي الأخذ بنموذج موحد يمكن وفقه تعداد الحضارات الكائنة في درب المجرة. وتبين ان عددها يصل الي خمسين مليونا.
ووفق حسابات مؤسسة (ناسا) هناك 130 مليون مركز حضاري في الكون. وفي الواقع انها حسابات متواضعة وحذرة. فاذا كانت هناك براهين علي صحة الفرضية القائلة بأن الاساس الكيمياوي للحياة والمتكون من تلك العناصر الاربعة، متوفر في الكون كله فهذا يعني ان الحياة ظاهرة شمولية في الكون.
وعلي الرغم من بطلان الكثير من المسلمات العلمية السابقة فموقف معظم العلماء من امكانية تحليق الانسان الي الكواكب الأخري ما زال علي حاله. والحجة هنا ان المسافة بين الكواكب بالغة الكبر مما يعني انها تحول دون زيارة كائنات أخري لأرضنا ايضا. وأكيد ان قهر هذه المسافة أمر بالغ الصعوبة الا انه ليس مستحيلا. مثلا الرحلة الي أقرب كوكب الي الارض (ALPHA CENTUARI) تستغرق 413 سنوات ضوئية أي حوالي 80 سنة مما يعني ان ليس بمقدور الانسان العودة الي الارض من مثل هذه الرحلة. فمعدل عمر الانسان يبلغ اليوم 70 سنة، ومعلوم ان تدريب رجال الفضاء معقد للغاية، وحتي لو كانوا أشدنا ذكاء فليس بمقدورهم الانتهاء من التدريب قبل بلوغ العشرين من العمر. كذلك من الصعب ان يكون الانسان مشاركا في الرحلة من هذا النوع وهو في الستين من العمر. وفي أفضل الأحوال يتبقي للانسان 40 سنة يقوم خلالها بدور رجل الفضاء. وهكذا يكون أمرا منطقيا القول ان عمر الانسان لا يكفي لقيامه برحلات الي الكواكب الأخري.
وعلي الرغم من ذلك فهذا استنتاج خاطئ! ومرد الخطأ اننا اعتدنا علي انماط معينة من التفكير والاستقراء. ويسوق دينيكين مثالا علي ذلك بما يجري في المختبر العلمي التقليدي: الجرثومة التي تعيش في الماء تنتقل في المكان (أ) الي المكان (ب) بسرعة قدرها (ج) الا ان تيار الماء والفارق بين مستواه في المكانين لا يعملان علي زيادة هذه السرعة الا بنسبة (د) فقط. ويبدو الأمر مقنعا لغاية الآن. الا ان هناك غلطة بينة في عملية التفكير ذاتها، فجرثومة الماء قد تصل الي المكان الثاني بسبل مختلفة. مثلا بالامكان تجميدها ونقلها جوا كقطعة جليد الي المكان الثاني، وبعدها يذوب الجليد وتجد الجرثومة نفسها هناك! وغرض دينيكين واضح هذا، فهو يقصد ايضا ان الرحلات القادمة الي الكواكب سيكتب لها النجاح اذا جري تجميد رجال الفضاء ومن ثم عودتهم الي الحياة في الموعد المحدد. وكما نعرف حقق العلم اليوم تقدما كبيرا في مجال حفظ اعضاء الجسم المخصصة لعمليات الزرع. وكانت لغايتها من أكبر المشاكل ابقاء خلايا الدماغ حية بعد توقف مدها بالاوكسجين غير ان عددا من العلماء الامريكان (مدرسة الطب في كليفلاند) استطاع ان يبقي خمسة أمخاخ مفصولة عن اجسامها، حية لمدة 18 ساعة. وهذه التجارب تجري في اطار البرنامج المسمي (سيبورغ Cyborg) وهذا مختصر لاسم (Cybernetic Organism). كذلك يتنبأ عالم الفيزياء الألماني هربرت فرانكه برحلات كونية لا يسهم رجال الفضاء فيها. اذ يكفي ان يكون هناك مخ مفصول عن جسده ويضخ الدم فيه باستمرار بواسطة الاجهزة الالكترونية لمركبة الفضاء. بعبارة أخري، سيكون المخ هو القبطان الفعلي لهذه المركبة.
ويفترض فرانكه ان المخ المناسب هنا هو لطفل لم يولد بعد.. فهذا لم يتعرض بعد لعمليات التفكير ولم يصبح أسير عادات تفكيرية معينة، الأمر الذي يسهل قيامه بمثل هذه المهمة. وعلي تعبير هذا العالم سيكون هذا المخ محروما من الوعي كونه (انسانا)، كما ستكون غريبة عليه الأحاسيس التي نملكها نحن البشر.
كذلك يتنبأ عالم آخر بامكانية استخدام سيبورغ وهو نصف انسان ونصف ماكنة، لأغراض التحليقات الكونية وصيرورته (كائنا) الكترونيا كاملا تبرمج وظائفه في ذلك المخ المعد لهذه الأغراض.
ويجد عالم البيولوجيا الألماني باول اوفيراغه ان هذا (المشروع الفنطازي المستقبلي) سيلقي النجاح، فالتقدم الذي حققته السبرنتيكا البيولوجية يبسط، كثيرا، التجارب من هذا النوع. ولقد حصلت في حقبة ما بعد الحرب ثورة حقيقية في عالم الطب بفصل ما تم انجازه في علمي الأحياء الوراثي والكيمياء العضوية حيث بات ممكنا التدخل في عملية شيخوخة الكائن الحي بل ايقافها بصورة وقتية. كذلك فالبنية الفنطازية للسيبورغ كفّت عن أن تكون مجرد حالة طوبائية.
ومن المؤكد ان مثل هذه المشاريع تأتي بمشاكل ذات طبيعة اخلاقية يكون العثور علي حل لها اكثر صعوبة من تحقيق أبعادها الطبية ــ التقنية. ويري دينيكين ان هذه أمور تأتي بالمرتبة الثانية.. وهو يأخذ هنا بعين الاعتبار الاحتمال القوي بأن مركبات الفضاء المتنقلة بين النجوم ستحلق يوما ما بسرعة لا تصدق وان رجالاتها سيتقدمون في السن بالصورة المعهودة. وهذا سيحصل في اطار الظاهرة التي اعترف بها العلم تمام ــ حذف الزمن deletion of time. وقد نتفق مع دينيكين حين يدعو الي نبذ التصور التقليدي للزمن. مثلا لا شأن لـ(السنة الأرضية) لدي المساهمين في الرحلات ما بين الكواكب، فزمن مركبات الفضاء التي تحلق بسرعة تقارب سرعة الضوء يمر ببطء شديد عند مقارنته بالآخر الذي يمر، بسرعة، علي كوكبنا مثلا. وهذا الشيء يمكن حسابه بكل دقة حين نستعين بالنماذج الرياضية. ومثل هذا الحساب ليس مفترضا البتة بل هو أمر تأكدت صحته.. ببساطة علينا التحرر من فكرتنا عن الزمن، الزمن الأرضي. فبمساعدة السرعة والطاقة يكون أمرا ممكنا التحكم بالزمن.
وهناك الكثير من المشاكل الفرعية التي تحول، حتي الآن، دون تنقل الانسان بين النجوم، وفي مقدمتها العوائق المادية التي تجابهها المركبات، كالأجرام الصغيرة التي قد تعترض طريق الرحلات الفضائية، الا ان الأبحاث تحقق، هنا، نجاحات ملموسة. كذلك هناك فريق من العلماء يشكك في امكانية تحقيق سرعة للمركبات أكبر من سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية). ويستشهد هؤلاء بما قاله اينشتاين، أي ان سرعة الضوء هي المطلق. وأكيد انها حجة لا تفند اذا افترضنا ان مركبات الفضاء في المستقبل، شأنها اليوم، ستقلع عن الأرض نتيجة الطاقة الناجمة من الاحتراق الداخلي الذي يستهلك كميات كبيرة من الوقود السائل الذي لم يعثر لغاية الآن علي بديل له. الا ان المشاريع والأبحاث في مجال البديل كثيرة. وثمة مشروع (فنطازي) للعالم الروسي ستانيو كوفتش حول سفينة كونية وقودها ما يسمي بـ(ضد المادة). وتسمي فكرة هذا العالم بـ(المصباح الطائر) الذي يعمل وفق مبدأ بث الضوء بدلا عن قاعدة الغازات الساخنة، وحينا ستكون السرعة أمرا يصعب تصوره حقا. وفي كتابه (كوكب الامكانيات غير المحتملة) يقول العالم الفرنسي جاك بيرجيه ان طاقم هذا المصباح الطائر سوف لن يلحظ أي شيء. فقوة الجاذبية في هذه المركبة ستكون مثلما هي علي الأرض، واحساس رجالها بالزمن سيكون طبيعيا، غير انهم خلال سنوات قلائل سيكون بمستطاعهم الوصول الي أبعد النجوم، وبعد 22 سنة (وفق زمنهم) قد يجدون أنفسهم في قلب درب المجرة الذي يبعد عن الارض 75 ألف سنة ضوئية.. وبعدها بـ28 سنة قد يصلون الي أقرب منظومة شمسية منا، وهي تبعد عن الأرض مليونين وربع المليون سنة ضوئية.. ويؤكد بيرجيه ان هذه حسابات لا علاقة لها البتة بالخيال العلمي، فالعالم الروسي راجع معادلته الرياضية وتأكد من صحتها. وحسب المعادلة سيقضي طاقم المصباح الطائر 65 سنة من (الزمن الكوني) الذي يعادل 415 ملايين سنة أرضية!
لقد بات أمرا بينا اننا نعيش في فترة انتقالية حاسمة في تاريخ الانسان، وما سيأتي به المستقبل القريب سيفوق الخيال الأكثر جرأة. مثلا في عام 1967 أعلن جيرالد فنبرغ وهو عالم فيزياء من جامعة كولومبيا نظرية التاكيون tachion (وتعني باليونانية السرعة tachys)، وهي ثمرة فحوصات علمية جادة، تفيد بأنه وفق نسبية اينشتاين تنمو الكتلة بالتناسب مع ازدياد السرعة. والكتلة (أي الطاقة) التي تصل سرعة الضوء تصبح بصورة غير منتهية، متناهية في الكبر.
وقد أثبت فنبرغ، بالدليل الرياضي، وجود ما يسمي pendant وهي جزئيات تتحرك الي ما لا نهاية لكنها تتعرض بسرعة الي التفكك حين تقارب سرعة الضوء. وهذه التاكيونات هي أسرع ببليونات المرات من الضوء الا انها تتلاشي حين تنخفض سرعتها الي سرعة الضوء او أقل منها. ومعلوم ان نظرية النسبية (وبدونها تتقوض صروح الفيزياء والرياضيات اليوم) امتلكت براهين طرحت بالسبل الرياضية فحسب، كذلك الحال مع نظرية التاكيونات الصحيحة رياضيا لكنها ما زالت تفتقر الي الدليل التجريبي. واذا استطاع العلم ان ينتج او (يمسك) بهذه التاكيونات، فهذا يعني امكانية مطلقة لانتاج طاقة مكرسة للسفن الفضائية، أي ان هذه ستقلع بمساعدة محرك ضوئي يحقق سرعة مماثلة لسرعة الضوء، وحين الوصول الي هذه السرعة يقوم الكمبيوتر بتشغيل المحركات الأخري التي تعمل بطاقة التاكيونات. ولا يعرف العلم اليوم هل ستكون سرعة السفينة الكونية أكبر من سرعة الضوء بمائة مرة أم بألف مرة. لكن هناك افتراضا يقول انه عند تجاوز سرعة السفينة لسرعة الضوء يتم ايضا تخطي الزمكان الاينشتايني والوصول الي بعد أكبر لا يعرف اليوم أي تعريف له الا ان عامل الزمن سيكون عديم الجدوي فيه.
وقد تبدد هذه الثورة العلمية الجديدة تلك التصورات التقليدية عن الحياة والانسان والارض حيث يكون فيها الانسان الكائن الأعلي، والارض المركز الفعلي و(الروحي) للكون. كذلك فالانسان يرفض، بصورة تكاد ان تكون عزيزية، الاحتمال القائل بوجود حضارات أخري في الكون وصل ممثلوها الي الارض قبل آلاف السنين، ولربما زرعوا الحياة فيها.