أكثر الأحجار الكريمة غموضاً وإثارة
الزمرد.. المعين الذي لا ينضب!
هذه
الصيحة التي أطلقها (علي بابا) عندما ساقه حظه الحسن إلى كنز اللصوص ،
تعبيراً عن العشق القديم الذي يكنه الإنسان للأحجار الكريمة، المعروفة منذ
قديم الزمان وسالف العصر والأوان، فقد أثبتت أبحاث علماء الجيولوجيا أن
بني البشر عرفوا الجواهر والأحجار الكريمة منذ نحو40ألف سنة، وأيامها كان
الإنسان البدائي يستخدمها في صناعة العقود والتمائم والحلي، كما يصنع منها
لصلابتها رؤوساً لسهام الصيد ! ويقول الدكتور زكريا هميمي في كتابه
(موسوعة الأحجار الكريمة): إن الإنسان بدأ شيئاً فشيئاً في استخدام أنواع
عديدة من الأحجار الكريمة وبدأت عمليات التهذيب والتقطيع والصقل والتلميع
والتشكيل في صورة قلائد تحاكي بعض مفردات الطبيعة وهو ما كشفت عنه بعض
القلائد والعقود البابلية التي عُثر عليها على ضفاف نهر الفرات والتي تعود
إلى عام 5000 قبل الميلاد وهي مصنوعة من (الاوبسيديان) (صخر بركاني يشبه
الزجاج ) ومن بعض الصخور الطبيعية وبعض الاصداف والمحار
العرب
المسلمون كان لهم اهتمام في استخراج الأحجار الكريمة من مختلف أماكنها
وكما ذكر (البيروني) في كتابه (الجماهر في معرفة الجواهر) 37 معدناً
وحجراً كريماً له قيمة اقتصادية جمعها في مقالة من مائتي صفحة تحت عنوان (
في تعدين الجواهر والأعلاق النفيسة المذخورة في الخزائن) تلتها مقالة أخرى
عن الفلزات في حوالي 30 صفحة.
أيضاً وصف (التيفاشي) في كتابه (أزهار
الأفكار في جواهر الأحجار) 25 من المعادن والأحجار الكريمة وصفاً دقيقاً
واهتم العرب بأماكن وجودها وباشتقاق ونحت الألفاظ والمرادفات للأنواع
المختلفة منها ولا أدل على ذلك من أن اللؤلؤ على سبيل المثال له 14مرادفاً
أو نحوها فهو اللؤلؤ، والدر، والنطفة، والتومة والتوأمية، واللطيمية،
والصدفية، والجمانة، والمرجانة، والثعثعة، والخصل والهيجمانة، والخريجدة،
والسفانة، والحوصة.
ويضيف المؤلف أنه من خلال علماء العرب المسلمين
نقل الأوربيو ن الكثير والكثير عن الأحجار الكريمة وفي القرن 16الميلادي
بدأ الفرنسيون يستخدمون أحجاراً عديمة اللون وقاموا بتشكيلها بطريقة
أطلقوا عليها الكابوشون. والكابوشون عربي عن كلمة فرنسية قديمة تعني الرأس
ويتميز بسطح مقبب ناعم مصقول وقاعدة مستوية غالبا،ً وفي فترة تالية
للكابوشون بدأت التشكيلات ذات الأوجه بأنواعها المختلفة والتي يأتي في
مقدمتها (البريليانت) وتعني المُشرق أو المتألق أو النير.
وكانت هذه
التشكيلة قاصرة على بلورات الألماظ الساحرة وفيها تتم إضافة بعض الأوجه
إلى بلورة الألماظ لتضفي عليها مزيداً من التألق والإشراق واللمعانية
وتضمنت هدايا (نابليون) لزوجته (كاترين) أجود أنواع الأحجار خاصة الزمرد
واحتوت خزانة كاترين (إمبراطورة روسيا) على أجود أنواع الزمرد أيضا ،وقد
بيعت أحجار الزمرد الخاصة بها في عام 1906 م بما مقداره 770 ألف دولار
وبدأت بعض الأحجار المخلّقة تغزو الأسواق بعد عام 1837، ذلك بعد أن تمكن
الكيميائي الفرنسي مارك جودين من إنتاج قيراط واحد 0.2 جرام من الياقوت من
صهر كل من كبريتات الألومنيوم البوتاسي مع كرومات البوتاسيوم عند درجة
حرارة 2000 درجة مئوية.
كنز هيرودت!
أما الزمرد فكانت له مكانة
خاصة وسحر أسطوري على مر العصور ففي القرن الثاني قبل الميلاد توقع هيرودت
وجود كنز زمرد في صحراء شمال أفريقيا واشتهر الكنز باسم (كنز الكرمانت)
وكان لهذا التوقع أثر بالغ في اكتشاف حقول النفط في الجزائر في العصر
الحديث.
وظل حجر الزمرد الأخضر الصافي طوال أربعة آلاف عام شعاراً
ورمزاً للمعين الذي لا ين ضب ، وكان الفرا عنة والر ومان والمغ ول في
الهند والأ ستي ك في أمري كا الجنوبية يقدسونه، بينما رُصعت به تيجان ملوك
أوربا وأمام الخرافات التي أحاطت بعدد من أغلى الزمردات في العالم، وجعلت
من الصعب اقتفاء أصولها، لجأ فريق باحثين من فرنسا وكولومبيا إلى استخدام
آخر تقنيات التحليل لتحديد أصول تسعة من أشهر الأحجار التي يعود تاريخها
إلى فترة احتلال الرومان لفرنسا في القرن الثامن، وتضمن الاختبار تبخير
جزء دقيق من أحد الأحجار بواسطة أشعة الليزر، ثم تحليل المكونات المختلفة
المنبعثة منه كذرات الأوكسجين، ويمكن للباحثين أن يستخدموا تلك الخواص
المحددة لمعرفة موقع تكوّن الزمردات.
وأجرى الفريق الذي ينتمي لمعهد
البحث من اجل التنمية ومركز الأبحاث حول النفط والجيوكيمياء في فاندوفر
بفرنسا، تجارب على عينات من أكبر مناجم الزمرد في العالم.
وتوصل
الباحثون إلى أن بعض الزمردات القديمة استخرجت من أماكن كان يعتقد أنها
اكتشفت في القرن العشرين فإذا بها تعود إلى عهد الإمبراطورية الرومانية
وكانت المفاجأة أكبر حين توصل الباحثون إلى أن بعضها مستخرج من مناجم
كولومبية، ولم يتم ترويجها سوى بعد غزو الإسبان لأمريكا اللاتينية في
القرن السادس عشر وعلاوة على ذلك فقد تبيّن ان ثلاث زمردات من مجموعة آل
نظام حيدر أباد بالهند، كان يعتقد أنها من مناجم آسيوية مفقودة، فإذا بها
تعود إلى المناجم الكولومبية وليس كما تروج الأساطير التي تزعم أنها تعود
إلى الإسكندر الأكبر، الذي عاش حوالي القرن الثالث قبل الميلاد فأين ذهبت
مجموعة الإسكندر نفسه؟ لا أحد يعرف ولكن المعروف أنها اختفت ومعها سر
بقائه الطويل!
زمرد صناعي
ظهر الزمرد الصناعي حالياً، حيث يعتبر
الزمرد الحجر الكريم الوحيد الذي أمكن إنتاجه صناعياً، والذي يشبه إلى حد
كبير الزمرد الطبيعي من حيث اللون، لذلك فإن أسعاره مرتفعة بل هي أغلى
أحياناً حتى من بعض الأحجار الكريمة الحقيقية.
ملك المجوهرات
ويتمتع الزمرد اليوم مع الياقوت بنفس المكانة لما يتسم به من جمال اللون.
وُتنسب بلورة الزمرد إلى النظام السداسي، أي أنها ذات ستة أضلاع أو زوايا.
وبلورات
الزمرد غالباً ما تكون طويلة ومنشورية وبسيطة التكوين وتتفاوت درجة صلابة
الزمرد من 7.5 إلى 8 وعلى ذلك يعتبر من الجواهر الصلبة ووزنه النوعي بين
2.6 و2.8.
والزمرد الطبيعي يكون غالباً أخضر باهتاً، أو يميل إلى
الاصفرار او الأبيض الرمادي، وغالباً ما يكون مرقشاً (منقطاً بنقط كثيرة)
ومن ألوانه الأخرى: الأزرق والأخضر والأصفر والأحمر الوردي أو ما لا لون
له، أما لمعته فزجاجية وقد يكون البريل شفافاً أو قاتماً.
والزمرد
أرقى أنواع أُسرته وهو شفاف ونصف شفاف وله عدة ألوان تبدأ بالأخضر الزمردي
لما فيه من آثار الكروم، والأكوامارين شفاف بين الأزرق والأخضر البحري
وتعالج ألوان هذه الأحجار بواسطة الحرارة.
ورغم أن الزمرد من الاحجار
الصلبة إلا أنه سهل التشقق والتفتت ولذا كان ضرورياً عند استخدامه في
الحلي أن يوضع بحذر في صندوق الجواهر بصحبة الماس والياقوت، لأنهما أصلب
منه وقد تتلفه عند احتكاكها به وتخدشه مما يؤدي إلى إعادة صقله وربما
إعادة تهيئته من جديد.
زمرد كولومبيا
وتأتي أكبر وأفضل أنواع
الزمرد من كولومبيا، والأصغر حجماً أو أقل جودة تأتي عادة من البرازيل..
كما يوجد القليل منه في شمال أفريقيا وزيمبابوي وزامبيا وتنزانيا بلونه
الأخضر القوي أو بمسح من الأزرق المخضر.
وأشهر نوع من الزمرد يأتي من
سنداونا في زيمبابوي، ويُقيّم هذا النوع بدرجة لونه، كما يأتي الزمرد
المميز أيضاً من جبال الهند وباكستان والنمسا. ويعتبره البعض ملك
المجوهرات المتوج. وتزن الأحجار ذات اللون المميز عادة قيراطين أو أكثر،
وتُعد من أغلى الأحجار ويضاهي سعرها سعر الألماس أحياناً. ويعتمد الحجر
على لونه حيث يزداد أو يرتفع تبعاً لتدرجات الألوان.
الزمرد العربي
عرف
قدماء المصريين الزمرد، وصنعوا منه أدوات الزينة الصغيرة والتمائم، وكان
الإغريق يقدمونه إلى (فينوس) الهة الجمال حسب معتقداتهم الهالكة، وفي أيام
كليوباترا كانت مناجمه ملكاً لها، وقد أهدته بكرم للسفراء المقربين إليها،
ولاسيما ما حفرت عليه صورتها الفاتنة، وكان يوليوس قيصر يهوي اقتناء
الزمرد وجمعه لجماله وقيمته، ولما كان ينسب إليه من الخرافات ولأن
كليوباترا كانت تعشقه بطبيعة الحال!
وكان أقدم من كتب من العرب عن
الزمرد هو (الكندي) فيلسوف العرب، وقد ذكر أكثر جغرافيي العرب الزمرد في
كلامهم عن مصر، ولكن أهم من تحدث عنه (المسعودي) في كتابه (مروج الذهب
ومعادن الجوهر) ويوجد الزمرد في مصر في منطقة واحدة هي على بعد نحو 54
كيلو متراً جنوب شرق (رأس بناس) وتمتد بدورها في شكل لسان داخل البحر
الأحمر في الجزء الجنوبي من الصحراء الشرقية المصرية وهذا يعني ان الصحراء
الشرقية وشبه جزيرة سيناء على الرغم من تنوع وتعدد الوحدات الصخرية فيهما
والصحراء الغربية في اتساعها لا تحتوي على عينة واحدة من الزبرجد فوجوده
قاصر على هذه الجزيرة النائية المنعزلة التي تظهر بصعوبة على خريطة مصر.
والدراسات
التاريخية تؤكد أن بداية اكتشاف واستغلال الزمرد بالجزيرة يرجع إلى عام
(1500ق.م) وربما قبل ذلك بسنوات طويلة وعمليات استخراج الزبرجد استمرت منذ
عام (1500ق.م) وحتى عام (1958).
ورغم أن الزمرد هو المعين الذي لا
ينضب كما تقول الأسطورة، إلا أن معين جزيرة الزبرجد المصرية قد نضب على مر
السنين، ولم يعد باقياً من عروق هذا الحجر الكريم سوى ذكريات وفتنات، يعيش
عليها هواة جمع الأحجار الكريمة والسياح الأجانب الذين يرتادون الجزيرة في
الوقت الراهن علهم يعثرون على زمردة نسيها الزمن واحتفظت بها رمال الجزيرة
لصاحب الحظ السعيد!