الباب الثانى والخمسون فى أن حركات المصروع هل هى من فعله أو ف
قد تقرر أن المحدث يستحيل أن يفعل فى غيره فعلا ملكا كان أو شيطانا أو إنسيا بل ذلك من فعل المصروع بجري العادة فإن كان المصروع قادرا على ذلك الاضطراب كان ذلك كسبا له وخلقا لله عز وجل وإن لم يكن قادرا عليه لم يكن مكتسبا له بل هو مضطر إليه ولا يمنع أن يكون الله تعالى قد أجرى العادة بأنه لا يفعل ذلك الصرع والاضطراب إلا عند سلوك الجنى فيه أو عند مسه كما فى الأسباب المستعقبة للمسببات وكذلك القول فيما يسمع من المصروع من الكلام فى تجويز كونه كسبا له أو مضطرا إليه وإن كان هو المتكلم دون خالقه وتجويز كونه من كلام شيطان قد سلكه أو مسه وأن يكون قائما بذات الشيطان دون ذات من هو سالك فيه أو مماس له وأكثر الناس يعتقدون أنه كلام الجنى ويضيفونه إليه ولا دليل نقطع به على أن ما سمع منه كلام له أو للشيطان وإن كان كلاما له فإنه من كسبه أو ضرورة فيه وإنما يصار إلى أحدهما بتوقيف مقطوع به ومتى كان كلاما للمصروع كانت إضافته إلى الشيطان مجازا ومعنى الكلام أنه كان منه وسلوكه وعلى الجملة أن المتكلم من قام به الكلام لا من فعل الكلام ثم الكلام الذى يقوم بالبشر قد يكون من فعله وكسبه وقد يكون مضطرا إليه وقد تقدم قول الإمام أحمد هو ذا يتكلم على لسانه يعنى لسان المصروع فقد جعل المتكلم هو الجنى فكذلك الحركة والله سبحانه وتعالى أعلم الباب الثالث والخمسون فى حكم معالجة المصروع.
سئل أبو العباس بن تيمية رحمة الله عليه عن رجل ابتلى بمعالجة الجن مدة طويلة لكون بعض من عنده ناله سحر عظيم قليل الوقوع في الوجود وتكرر السحر أكثر من مائة مرة وكاد يتلف المسحور ويقتله بالكلية مرات لا تحصى فقابلهم الرجل المذكور بالتوجه والصد البليغ ودوام الدعاء والالتجاء وتحقيق التوحيد وأحسن بالنصر عليهم وكان المصاب يراهم في اليقظة وفي المنام ويسمع كلامهم في اليقظة أيضا فرآهم في أوائل الحال وهم يقولون مات البارحة منا البعض ومرض جماعة لأجل دعاء الداعي وسموه باسمه وكان بالقاهرة رجل هائل يقل وجود مثله في الوجود يجتمع بهم ويطلع على حقيقة حالهم وله عليهم سلطان باهر مشهور مشهود لغيره فسئل عن حقيقة منام المصاب وعن خبر الدعاء فأخبر بهلك ستة ومرض كثير من الجن وتكرر هذا نحوا من مائة مرة وتبين للرجل الداعي المذكور أن الله تعالى قهرهم له فإنه كان يجد ذلك ويشهده ويعاضده منامات المصاب وسماعه في اليقظة ايضا وأخبار صاحبهم المذكور وبعد ذلك أذعنوا وذلوا وطلبوا المسألة فهل يجوز للرجل الداعي مواظبة الذب عن صاحبه المصاب المظلوم مع تحققه هلاك طائفة بعد طائفة والحالة هذه أم لا وهل عليه من إثمهم شيء فإنه قد يكون بعضهم مع صياله مسلما أم لا وهل يجوز له إسلام صاحبه والتخلي عنه مع ما يشاهده من أذاه وقرب هلاكه أم لا وهل هذا الغزو مشروع وعليه شاهد من السنة النبوية والطريقة السائغة أم لا وهل تشهد الشريعة بصحة وقوع مثل ذلك كما قد تحققه السائل وغيره من المباشرين والمصدقين أم ذلك ممتنع كما تقوله الفلاسفة وبعض أهل البدع وهل تجوز الاستعانة عليه بشيء من صنع أهل التنجيم ونحوهم فيما يعانونه من الحجب والكتابة والبخور والأوراق وغير ذلك لأنهم يتحملون كبر ذلك والمصاب واهله يطلبون الشفاء وإن كان في ذلك كفر فيكون في عنق صاحبه الذي باع دينه بالدنيا وهذا من باب مقابلة الفاسد بمثله أم لا يجوز ذلك لأجل تقوية طريقهم والدخول في أمر غير مشروع وذكر السائل أسئلة أخرى أضربت عن ذكرها والجواب في نحو كراسين وفيه بسط خارج عن مقصود الجواب اقتضاه طرد الكلام وتشبث بعضه بأذيال بعض وقد أثبت منه ملخصه المطابق للسؤال.