عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(لا تعذبوا صبيانكم بالغمز وعليكم بالقسط ) رواه البخاري وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً فتحكه بماء ثم تسعطه إياه ) رواه أحمد وأصحاب السنن .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط ) رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عباس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(إن خير ما تداويتم به السعوط ) رواه الترمذي
وقد روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة (رضي الله عنه) وعندها صبي يسيل منخريه فقال : ما هذا ؟ فقالت : إن العذرة . فقال:
ويلكن لا تقتلن أولادكن أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً هندياً فتلحكه ثم يسعط به ) فأمرت عائشة فصنعت به فبرئ .
وقد روى البخاري أن أم قيس بنت محصن الأسيدة أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب ) يريد الكست ..
وفي رواية أخرى للبخاري عن أم قيس بنت محصن أنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية : يستعط به من العذرة ويُلد به من ذات الجنب " .
وفي رواية أخرى للبخاري عن أم قيس بنت محصن أنها قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية : يستعط به من العذرة ويلد به من ذات الجنب).قال ابن حجر في كتاب فتح الباري : والسعوط ما يجعل في الأنف مما يتداوي به وقوله : (استعط) : أي استعمل السعوط ، وهو أن يستلقي على ظهره وجعل ما بين كتفيه يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهناً فيه دواء (ينطبق بلعومة الخلفي )لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس . والعذرة (بضم العين ) وجع في الحلق يهيج من الدم ، وتسميها العامة بنات الأذن .
وهذا التفسير يوافق في الطب أمراض الحلق التي تترافق باحتقان دموي سواء أكان التهاب لوزات أو التهاب لهاة أم التهاب بلعوم . وكان نساء المدينة وما يزال نساؤنا حتى اليوم يلجأن إلى معالجة العذرة بالأصابع أو غمز الحلق بها .
والإعلاق في اللغة أيضاً الدغر وتعني غمز العذرة بالأصابع .
وقد يلجأن إلى إدخال فتيل من خرقة في أنف المريض فيطعن به البلعوم الأنفي فينفجر من الدم . ويقال عذرت المرأة الصبي إذا غمزت أو أعلقت حلقه من العذرة .
ومن توجيهات النبي صلى الله[1] عليه وسلم في هذا المجال أن نبه إلى وجوب تجنب الخطأ في بعض المعالجات الشعبية والتي لا تستند إلى أساس علمي فنهى النساء عن مثل هذه المعالجة القاسية والمؤذية أحياناً مقدماً لهن العلاج الأمثل في هذه الحالة وهو القسط . قوله
(ويلد من ذات الجنب) يعني يسقاه في أحد شقي فمه وهو تنبيه إلى طريقة لسقي المريض دواء عندما لا يتمكن من الجلوس أو من تناوله بيده أو عندما يثير ذلك ألماً شديداً لديه، واللدود ما يسقي الإنسان في أحد شقي الفم، أخذ من لديدي الوادي وهما جانباه واللدود (بضم اللام ) الفعل . فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(خير ما تداويتم به اللدود والسعوط والحجامة والمشي ) رواه الترمذي .
وروى زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
ولقد ذكر ابن سينا في معالجة سقوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وزر الورد ، وسقوط اللهاة هو ضخامتها المتأتية عن التهابها .
وقال الموفق البغدادي[2] في كتابه الطب من الكتاب والسنة (وذات الجنب قسمان : حقيقي وهو ورم حاد يعرض في الغشاء المستبطن للأعضاء، وغير حقيقي وهو ما يعرض في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفاقات، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقة ناخس ).
وقال الدكتور عبد المعطي القلعجي [3]معلقاً : تنطبق هذه العلامات على التهاب الغشاء المبطن للرئة
Pleurisy الذي يترافق بألم حاد شديد يتفاقم مع التنفس العميق أو السعال بالإضافة إلى سعال جاف وأرتفاع حرارة وإنهاك القوى العامة وقد يتجمع في الغشاء سوائل في بعض الحالات . ويرى الدكتور محمد ناظم النسيمي أن ذات الجنب الواردة في الأحاديث هي الألم الجنبي الناتج غالباً عن البرد أو الرثية (الروماتيزم ).
وذكر الكحال ابن طرخان [4]طريقة المعالجة بالقسط للألم الجنبي فقال: يدق القسط ناعماً ويخلط بالزيت المسخن دون غلي أو قلي ويدلك به مكان الألم ويلعق .
أما ابن القيم [5]فقد أكد هذا المعنى بقوله : (والعلاج الموجود في الحديث عن آفة في المصدر تنجم عن ريح غليظة فإن القسط بالبحري إذا دق ناعماً وخلط بالزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقاً لذلك نافعاً له محلاً لمادته مذهباً لها ، مقوياً للأعضاء الباطنية ).
قوله صلى الله عليه وسلم :
( فإن فيه سبعة أشفية)قال البخاري : قال الراوي : فسمعت الزهري يقول : بين لنا اثنتين ولم يبين لنا خمسة .وقال ابن حجر : كذا وقع الاختصار في الحديث عن السبعة على اثنين، فإما أن يكون ذكر السبعة فاختصره الراوي أو اقتصر على الاثنين لوجودها حينئذ دون غيرها.
وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول ويقتل ديدان الأمعاء ويدفع السم وحمى الربع والورد ويسخن المعدة ويحرك شهوة الجماع ويذهب الكلف طلاء.
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
قال الموفق البغدادي (وفي جمعه صلى الله عليه وسلم بين الحجامة والقسط سر لطيف وهو أنه إذا طلي به شرط الحجامة لم يتخلف في الجلد أثر المشاريط وهذا من غرائب الطب فإن هذه الآثار إذا نبتت في الجلد قد يتوهم من رآها أنها بهق أو برق والطباع تنفر من هذه الآثار
فحيث علم ذلك مع الحجامة ما يؤمن من ذلك .والقسط قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أمثل ما يتداوى به لكثرة منافعه، ينفع الفالج ويحرك الباه وهو ترياق لسم الأفاعي ، واشتمامه على الزكام يذهبه ، ودهنه ينفع وجع الظهر).
قال ابن حجر : ويحتمل أن تكون السبعة أصول التداوي بها لأنها إما طلاءٌ أو شرابٌ أو تكميدٌ أو تقطيرٌ أو تبخيرٌ أو سعوطٌ أو لدود . فالطلاء يدخل ويجعل في عسل أو ماء وغيرها . وكذا التقطير والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الأنف والدهن والتبخر واضح . وتحت كل واحدة من السبعة منافع لأدواء مختلفة ولا يستغرب ذلك ممن أوتي جوامع الكلم .
وخلاصة ما كتبه شراح الحديث [6]أن نبات القسط الموصوف في السنة ، نبات يعيش في الهند وخاصة في كشمير وفي الصين وتستعمل قشور جذوره التي قد تكون بيضاء أو سوداء، وكان التجار العرب يجلبونها إلى الجزيرة العربية عن طريق البحر لذا سميت القسط البحري، كما كان يسمى بالقسط الهندي .
وقد يدعى الأبيض بالقسط البحري والأسود بالهندي كما ورد في السنة باسم العود الهندي كمترادفات، إلا أنه من غير شك غير العود الهندي الذي يتخذ في البخور وله نفس الاسم مع أنهما نباتان مختلفان .
وقال البخاري تحت باب السعوط بالقسط الهندي والبحري وهو الكست (بالقاف والكاف) مثل كافور وقافور وكشت وقشطت .
قال ابن القيم : القسط نوعان : أبيض يقال له البحري وأسود هو الهندي وهو أشدهما حرارة والأبيض ألينهما ومنافعهما كثيرة : ينشفان البلغم قاطعان للزكام، وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة وقطعاً وجع الجنب ونفعاً من السموم وإذا طلي الوجه بمعجونه مع الماء والعسل قلع الكلف